النبات والصمت

أن تعمل في مجال تنسيق الحدائق ذلك يعني أن تقضي معظم يومك صامتاً.

يبدأ يومك في الصباح الباكر مع شروق الشمس وفي هذا الوقت عادةً تكون فيه متجهاً إلى المشتل الذي يقع في مكان ليس بقريب من منزلك. تختار الأشجار والنباتات المناسبة للمشروع الذي مُقرر أن يبدأ بعد ساعتين من الآن؛ تخبر العمال بلغة عربية ركيكة -كما يتحدثونها- أن يكونوا في الموقع الساعة 8:00 صباحاً. 

وأثناء انتظارك للعمال؛ من المحتمل جداً أن تذهب إلى كوفي بجانب موقع العميل، تتأمل النوافذ لتقع عينك على شجيرة تيكوما صغيرة متيبسة لم يتبق منها إلا عدد يسير من الأوراق وتتساءل ما إذا كان صاحب المقهى يعلم أن شجيراته مُصابة بتعفن جذور أو لا. يمر الوقت بسرعة. يتصل بك سائق الدينا ويخبرك أنه وصل الموقع، تنهي ما تبقى من قهوتك ثم تذهب. 

تصل الموقع، تلقي تحية الإسلام على العميل، تكرر عليه ما اتفقتم عليه مسبقاً عن طريقة توزيع النبات، يجيب موافقاً، يغادر العميل لمقر عمله، تبدأ لغة الإشارة بينك وبين العمال: “وايتكس هنا، جيب هنا، بونسيانا ودي هناك، ادينيوم شوي يمين، زيتون عكس، كاريسا ورى، دورانتا قدام”.

انتهت مرحلة التوزيع، تبقت فقط عملية نزع المراكن عن النباتات وبدأ الزراعة، نظرة أخيرة على المكان، شعور بسيط من عدم الرضا عن النتيجة النهائية، ولكنك تعلم أنك مُصاب بمتلازمة الكمال القهري. تأمرهم بالبدء مستعيناً بالله، تغادر الموقع، انتهى دورك. 

لقد انتصف اليوم؛ حان الوقت لأخذ الزيارات الميدانية للعملاء الجدد. تصل الموقع الأول، تشاهد الأحواض الزراعية، تُنصت إلى طلبات العميل ورغباته، ترفض البعض وتقبل البعض. تذهب إلى الموقع الثاني، تشاهد الأحواض الزراعية، تلاحظ خلل في عمق الحوض، ترفض بكل لطف استلام المشروع، يتفهم العميل، تغادر. تذهب إلى الموقع الثالث، تشاهد الأحواض الزراعية، يسأل العميل عن التكلفة، تخبره برقم تقريبي، يرفض، تتفهم، تغادر. تذهب إلى الموقع الرابع، تشاهد الأحواض الزراعية، يطرح عليك العميل عدة أسئلة تنم عن قلق من أنك قد تفسد حديقته، مثل “هل سبق لك أن عملت في هذا المجال من قبل؟” تطمئنه، يطمئن، تغادر.

ينتهي اليوم، تعود إلى المنزل، يتبقى على موعد نومك ساعتين، تقضيها في الرد على الرسائل المتراكمة وإن تمكنت خلال ذلك من إكمال مقالة أو قراءة كتاب فـ حسن.

وفي هذه الأربعة مشاهد لم تتجاوز عدد كلماتك التي نطقتها 112 كلمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *