المقاولات الزراعية وتصورات الناس

المقاولات الزراعية وتصورات الناس

من المعروف أن العمل في قطاع المقاولات من أجهد الأعمال وأسرعها سبيلاً إلى الشيخوخة المبكرة، ذلك أن الأمر متعلقٌ بعدة جهات ينبغي عليك أن تجاهد للتنسيق بينهم (العميل – الموردين – العمال) وتختلف طباع كل جهةً منهم.

 

فمن خلال ملاحظاتي البسيطة توصلت إلى نتيجة أن المقاولين في معظمهم لا ينام إلا 4-5 ساعات في اليوم وتجد في وجهه علامات توحي لك بأنه يترقب نبأٌ غير سار وقد تبقى هذه العلامات في وجهه إلى أن يتوفاه الله. وكذلك وجدت أن كثيرُ منهم أعمارهم في المتوسط بين 40-60 سنة وأنا على يقين أنهم لم يدركوا مرور هذه السنوات عليهم جرّاء انحصار عملهم في مدد زمنية يجب عليهم إنجاز المشروع فيها، فيصبح في سباق مع الزمن فكلما أغلق مشروع أنغمس في مشروع آخر وهكذا يمضي الوقت سريعاً بالنسبة إليه.

 

وهنا أنا أتحدث عن المقاولات العامة التي تختص بالتعامل مع المواد الصلبة لا الكائنات الحية، فإذا أتينا على ذكر المقاولات الزراعية ينبغي أن نضيف على الجهات الثلاثة المذكورة أعلاه جهة رابعة وهي النبات، الكائن الحيّ الذي يمرض ويتعب مرتين في السنة ويتحسس من قلة الماء وكثرته ويذبل وتتساقط أوراقه كلما سافر من مدينة إلى مدينة وتثير فزعه الرياح والأتربة والجفاف والفطريات التي تمتص من غذاءه وتقضي على جذوره وربما عاشت الشجرة أعوام مديدة ويقضي عليها في حين فجأة موسم ازداد البرد فيه أكثر من الأعوام التي مضت. ورغم هذا كله لا ينبغي أن نحكم بموت النبات إذا رأينا مظاهر التعب عليه في شهر 7 و 8 وبعض أيام 9 ميلادي.

 

والذي يجعل المقاولات الزراعية أشد صعوبة هي تصورات الناس عن النبات، فمنهم من يعتقد أن الصورة التي رآها في هاتفه عن حديقة عمرها أكثر من 5 سنوات بإمكانه أن يقلدها ويأتي بنتائجها فوراً والآن، فيصيبه إحباط عندما يكتمل المشهد ولا يرى ما توقع.

ومنهم من هو شديد الفزع فإذا تغير لون ورقة واحدة من مجموع ألف ورقة من نبات ظن أنه مات

ومنهم من لا يرى قيمة في النبات أصلاً فإذا أخبرته بسعر الشجرة ضحك ساخراً قائلاً: (مصيره أن يموت في الحر).

ومنهم من لا يؤمن بالسقاية الأتوماتيكية كما لو أن حديقته تقع في إندونيسيا يهطل عليها المطر طوال اليوم.

ومع ذلك كله؛ أجمل خصيصة في هذه المهنة هو أنك لا تستطيع تذكر المواقف التي تؤرقك، لأن ذهنك غارق في الإعداد لمشروع الغد.

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *